فرضوه حاضرا خالدا في ضمير ووجدان شعبنا وحزبنا ومسيرة مناضليه المستقبلية: من اجل استرجاع جثامين رفاقهم الشهداء المحتجزة لدى العدو الصهيوني جمال ساطي، اياد قصير، ميشال صليبا، الياس حرب، فرج الله فوعاني، حسام حجازي، يحيى الخالد، حسن موسى وحسن ضاهر ، على درب التحرير والتغيير من أجل وطن حر وشعب سعيد، ومن أجل متابعة المسيرة التي حققوا فيها ما حققوه من تحرير للأرض من احتلال ومن مكاسب وحقوق سياسية واجتماعية وقانونية لا يمكن لآي كان ان يتنكر لها.
الف تحية للشهيد الشيوعي في هذا اليوم المجيد، والتحية موصولة لكل الشهداء الذين قدّموا ويقدمون ارواحهم من مختلف القوى والتيارات والأحزاب السياسية في مواجهة العدوان الاميركي – الصهيوني في المنطقة والاقليم ، من لبنان الى غزة والضفة وعموم فلسطين وسوريا واليمن وايران. والتحية للمناضل جورج إبراهيم عبدالله للرفيق احمد سعدات ومروان البرغوثي ووجدي جودي وكل المعتقلين الفلسطينيين في السجون الصهيونية وسائر معتقلي الرأي وحرية التفكير والمعتقد في سجون الأنظمة العربية المستبدة بشعوبها. نسأل الرؤساء الثلاثة الذين يستقبلون الموفدين الفرنسيين والأميركيين في زياراتهم المكوكية الى لبنان لماذا لا تطالبونهم بالافراج عن جورج إبراهيم عبدالله؟ يطالبونكم بما يدّعون ملكا لهم ويوجهون لكم التهديدات ولا تطالبونهم بما لكم عليهم من حقوق . لماذا تتخلون عن قضية مواطن لبناني مخطوف من قبل الحكومة الفرنسية المنصاعة للضغوط الأميركية؟. تلك مسؤوليتكم وعليكم تحمّلها .
شهداؤنا هم قضيتنا التي لا تموت. باقية في العهد الذي قطعناه لهم : في متابعة مسيرتهم من أجل التحرر من الاستغلال والاحتلال، من التبعية الاقتصادية والسياسية، من الفساد والطائفية ، في التمسك براية جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية للتحرير والتغيير، في الوقوف الثابت مع فلسطين وشعبها المقاوم. وفي النضال اليومي ضد نظام المحاصصة الطائفية وسلطته الرأسمالية المعادية للحركة النقابية والشعبية، وهي التي صادرت قرارها وضربت تحركاتها حتى وصلت الى ذروتها في الانقضاض على انتفاضة 17 تشرين الوطنية والشعبية الشاهدة على فساد هذه السلطة ومحاصصاتهاونهبها للمال العام .
العدوان الصهيوني على ايران مستمر، ونحن ندين بشدة العدوان الاجرامي الذي نفذته الولايات المتحدة الأميركية على ايران بحجة ان برنامجها النووي يشكل تهديدا وجوديا للكيان الصهيوني، بينما امتلاك هذا الكيان سلاحا نوويا ، واستمراره بحرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة ، واحتلاله وعدوانه على لبنان وسوريا واليمن وايران ، ورفضه اخلاء المنطقة من السلاح النووي، فهذا كله يعتبر بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في الناتو" حقا مشروعا " و " دفاعا عن النفس" .
أهداف العدوان الأميركي – الصهيوني معروفة في استكمال السيطرة الأمبريالية على المنطقة والاقليم، حلقة تلو الأخرى في اطار مشروع الشرق الأوسط الجديد . عدوان يأتي في سياق إعادة الاعتبار للكيان الصهيوني ولوظيفته. دومينو متواصل مستفردا بقوى "محور المقاومة" ، ومسقطا كل ما قيل سابقا عن وحدة الساحات ، حتى وصل اليوم الى ايران.ثمانون عاما مضت على الحرب العالمية الثانية شنّت فيها الولايات المتحدة الأميركية ثلاثين حربا على دول وشعوب العالم ، بما معدّله سنتان ونصف السنة لكل حرب مخلّفة ملايين القتلى عدا الخراب والدمار.
ما جرى ويجري في المنطقة منذ سنوات لا يمكن ان يتصوره عقل انسان من حيث حجم الاجرام والاستباحة لكل ما هو حقوق وقوانين ومواثيق دولية بحق شعوبنا وكرامتنا الإنسانية ، وهو يحمّل مسؤوليات كبرى على المعتدين أولا، في حرب الإبادة الجماعية التي يرفض الأميركي وقفها في غزة و وفي العدوان على لبنان وسوريا واليمن وايران ، هذا من دون اعفاء أنظمة التطبيع العربي عن خيانتها. ذلك ان شعوبنا العربية في الدول كافة، لم تبخل يوما في تقديم الدماء والتضحيات وفي كل المعارك منذ ان زرع هذا الكيان الصهيوني في قلب المنطقة فهي لا تتحمل المسؤولية في ما وصلت اليه أحوالها المزرية، بل ان من تصدّروا المشهد القيادي فكرا وممارسة يتحملون قسطا هاما وأساسيا من المسؤولية.
زلزال الشرق الأوسط مستمر . نحن نعيش مرحلة انتقالية بالغة الخطورة بما لها من انعكاسات على لبنان . الاغتيالات اليومية مستمرة ، وتصعيد العدوان قد يتوسّع مع استدعاء نتنياهو الاحتياط على الحدود الجنوبية اللبنانية. سبق وبدأ هذا التصعيد المجرم في قصف الضاحية الجنوبية وتشريد مئات العائلات في العراء عشية عيد الأضحى المبارك، وفي التهديد بسحب قوات اليونفل وفي رسائل الموفد الفرنسي لودريان وآخرها رسالة توماس برّاك الذي نقل التهديد الإسرائيلي بضرب إسرائيل للبنان وتدمير بنيته التحتية في حال تدخل حزب الله في الحرب على ايران.
يوم الشهيد الشيوعي، هو يوم لتشديد النضال الوطني والاجتماعي من أجل وقف الحرب الصهيونية المتنقلة وفرض انسحاب قوات الاحتلال حتى خط الهدنة ومن دون قيد أو شرط، والمباشرة الفورية بإعادة إعمار البلدات والمدن المدمّرة، وعودة أهلنا إلى أرضهم. يوم للاستمرار في الوقوف ضد نظام المحاصصة الطائفية ومنظومته السياسية وخطابها التقسيمي، وحشد الطاقات وتوحيد الجهود لبلورة مشروع سياسي إنقاذي وطني حقيقي، يجسد مصالح الطبقة العاملة والمتوسطة .
الحكومات تتغيّر، ولا تتغيّر سياساتها. وعود المسؤولين بإقرار استقلالية القضاء أطاحوا بها في اعتماد نظام المحاصصة الطائفية والسياسية في التعيينات والتشكيلات. .التخلي عن تطبيق ما لم يطبق في اتفاق الطائف، كشف زيف وعودهم وبخاصة في مايتعلق بتطبيق المواد 95 و22 و24 ذات الصلة بتطبيق قانون الانتخابات النيابية خارج القيد الطائفي والنسبية والدائرة الموسّعة. فرض الضرائب والرسوم غير المباشرة على العمال والموظفين وأصحاب الدخل المحدود انحياز طبقي مكشوف. أموال صغار المودعين لا تزال منهوبة ومعها معاشاتهم وتعويضاتهم وأموال الصناديق الضامنة للعمال والمهن الحرة.
قوانين جائرة تهجيرية تصدر في مجال الأماكن السكنية وغير السكنية. تمييز بين الموظفين والمتقاعدين والقطاعين العام والخاص في موضوع الأجور وفق سياسة فرّق تسد . القضاء على القوة الشرائية للرواتب والأجور جريمة وطنية موصوفة تستهدف الافقار المتعمد وتهجير اللبنانيين والكوادر الشابة والكفوءة الى أصقاع الأرض قاطبةلافراغ لبنان من قدراته تمهيدا لفرض الشروط المذلّة عليه. تلك هي مواصفات الدولة الطائفية الفاشلة التي يحاولون إعادة انتاجها من جديد ، والتي يروّج لها البعض من مدعي "اليسار" أو " التغيير " .
اننا اذ ندين الاستمرار بهذه السياسات الاقتصادية – الاجتماعية المدمّرة، نعلن وقوفنا الى جانب كل القطاعات النقابية وتحركاتها من اجل تحقيق مطالبها المحقة . ونرى ان المدخل الى الأصلاح والتغيير الحقيقيين هو في بناء الدولة العلمانية، دولة المواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، الدولة المقاومة للاحتلال والعدوان والقادرة على اتباع سياسات اقتصادية جديدة تؤدي الى بناء اقتصاد انتاجي متقدّم. والى تعديل النظام الضريبي باعتماد ضريبة تصاعدية على الريوع المصرفية والعقارية ووقف هدر المال العام والفساد المستشري الذي لا يمكن تحقيقه من خلال هذه السلطة ودولتها الطائفية ونظام محاصصتها.
عهدنا لكل الشهداء الأبطال الذين كتبوا بدمائهم الغالية تاريخا مشرّفا لوطنهم وشعبهم وحزبهم ، وسنبقى نتابع مسيرتهم حتى تحقيق التغيير المطلوب والإنجاز الكامل لمهام التحرر الوطني والاجتماعي لشعبنا.
كل التحية إلى شهدائنا الأبطال، والمجد والخلود لذكراهم ونضالاتهم وإرثهم الوطني الكبير.
بيروت في 21 – 6 – 2025
الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني
حنا غريب